جرائم إسرائيل في غزة- مجازر مستمرة وتصعيد ممنهج

المؤلف: محمُود الرنتيسي10.15.2025
جرائم إسرائيل في غزة- مجازر مستمرة وتصعيد ممنهج

تستمر دولة الاحتلال الإسرائيلي في اقتراف الفظائع والمذابح في غزة المحاصرة، وبات من الجليّ وضوح الشمس أن رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، لم يكتفِ بالإعراض عن الاستجابة للنداءات المتصاعدة المطالبة بوقف إطلاق النار، بل عمد إلى استباق أي بوادر انفراجة أو أجواء إيجابية محتملة بارتكاب مجازر وحشية جماعية بحق المدنيين العزل من النساء والأطفال، أو باللجوء إلى التصعيد الإقليمي المتهور قبيل كل عملية تفاوض، بهدف نسفها وتقويض جهود التهدئة.

إن إلقاء نظرة فاحصة وسريعة على تسلسل الأحداث وتطوراتها يكشف بجلاء هذه الحقيقة المرة:

  • مجزرة المستشفى المعمداني

في السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، وبينما كان الرئيس الأميركي جو بايدن يُعِدُّ العدة للتوجه صوب الأردن لحضور قمة رباعية مهمة بشأن غزة بمشاركة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ارتكب الجيش الإسرائيلي مجزرة مروعة في ساحة المستشفى الأهلي العربي "المعمداني" الواقع في قلب مدينة غزة، أسفرت عن استشهاد نحو 500 نازح بريء كانوا قد لجؤوا إليه بحثًا عن الأمن والأمان، ونتيجةً لموجة الغضب العارمة التي اجتاحت المنطقة والعالم إثر هذه المجزرة البشعة، اعتذر عدد من هؤلاء الزعماء عن الحضور وتم إلغاء القمة في نهاية المطاف.

الغريب في الأمر أنه لم تتم محاسبة نتنياهو ومساءلته على هذا الفعل الشنيع، بل سارع داعموه إلى ترويج أكاذيب وادعاءات باطلة لتبرئة ساحته وتخفيف وطأة الجريمة، حيث صرح الرئيس الأميركي جو بايدن للإسرائيليين قائلًا: "يبدو أن الجانب الآخر هو المسؤول عن ذلك وليس أنتم". واعتبرت حكومة رئيس الوزراء البريطاني السابق ريشي سوناك "أن الانفجار الذي وقع في المشفى ناجم عن صاروخ أطلق من غزة"، وزعمت مديرية المخابرات العسكرية الفرنسية أن السيناريو الأرجح هو أن سبب الانفجار يعود إلى صاروخ فلسطيني تعطل أثناء إطلاقه. وذهب وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني إلى أبعد من ذلك، مدعيًا أن "الصاروخ تسبب في مقتل 50 شخصًا فقط، وليس 500".

  • اجتياح رفح على الرغم من موافقة حماس على مقترح الوسطاء

وفي مطلع مايو/أيار من العام 2024، وبعد أن أعلنت حركة المقاومة الإسلامية حماس موافقتها الصريحة على الورقة التي قدمها الوسطاء لوقف إطلاق النار وإنهاء حالة العدوان، قرّر مجلس الحرب الإسرائيلي بالإجماع المضي قدمًا في توسيع نطاق العمليات العسكرية ليشمل مدينة رفح المكتظة بالنازحين، وذلك على الرغم من كافة النداءات الدولية والإقليمية التي حذرت من مغبة هذا التصعيد الخطير. وبالفعل، قام الجيش الإسرائيلي باحتلال معبر رفح الحدودي ومحور فيلادلفيا الذي يقع على الحدود مع جمهورية مصر العربية.

وعلى الرغم من صدور قرار ملزم من محكمة العدل الدولية – بعد ذلك بأيام قليلة- يطالب إسرائيل بوقف عملياتها العسكرية في رفح فورًا، فقد استمر تدمير المدينة على نطاق واسع وارتكبت فيها عشرات المجازر المروعة، أبرزها "محرقة الخيام" التي وقعت في السادس والعشرين من مايو/أيار 2024 في المنطقة الغربية من رفح، حين شنت المقاتلات الإسرائيلية غارات جوية وحشية على خيام النازحين الأبرياء بالقرب من مخازن وكالة الأونروا الأممية، مما أسفر عن استشهاد 45 فلسطينيًا، غالبيتهم الساحقة من النساء والأطفال.

  • اغتيال هنية وشُكر

وفي مطلع أغسطس/ آب 2024، أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي على تنفيذ عمليتَي اغتيال جبانتين متتاليتين استهدفتا القائد العسكري البارز في حزب الله فؤاد شُكر، ثم الزعيم الرمز لحركة حماس إسماعيل هنية أثناء وجوده في العاصمة الإيرانية طهران لحضور مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد.

وكما هو معتاد في هذا النهج الإسرائيلي المتبع، فقد جاء هذا التصعيد الإجرامي بعد أن أبدت حركة حماس خلال شهر يوليو/ تموز المنصرم مرونة فائقة وإيجابية ملحوظة لتسهيل التوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار، حيث قبلت بصياغة جديدة للمادة الثامنة من مشروع الاتفاق المقترح من الجانب الأميركي، وهو ما قوبل من جانب نتنياهو بسياسة المماطلة والتسويف وتأخير إرسال وفد التفاوض الإسرائيلي، قبل أن يسافر هو شخصيًا إلى العاصمة الأميركية واشنطن لإلقاء خطابه المثير للجدل في الكونغرس الأميركي.

وكانت عملية الاغتيال الغادرة، التي استهدفت المسؤول الأول عن التفاوض من طرف حركة حماس، بمثابة رسالة واضحة المعالم مفادها أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي لا ترغب إطلاقًا في وقف إطلاق النار، بل تسعى جاهدة إلى التصعيد الإقليمي بعد أن ضاق هامش النقاش بخصوص بنود الاتفاق.

  • مجزرة مدرسة "التابعين"

بعد أن أشعلت حكومة الاحتلال الإسرائيلي الأجواء الإقليمية الملتهبة وجعلتها على شفا حرب شاملة ومفجعة، حاولت الإدارة الأميركية جاهدة التخفيف من حدة التوتر الإقليمي المتصاعد، والقيام بمبادرة عاجلة لإعادة الزخم إلى المفاوضات بعد أن أفسدت حكومة الاحتلال أجواءها المسمومة، فعملت على ضخ دماء جديدة في شرايين المفاوضات المتعثرة عبر الدعوة الملحة لتطبيق الاتفاق دون تأخير أو تباطؤ.

ولم يمضِ وقت طويل، أقل من 24 ساعة، على صدور بيان ثلاثي مشترك عن الولايات المتحدة ومصر وقطر يؤكد أن الوقت قد حان لإبرام اتفاق فوري لوقف إطلاق النار دون إضاعة المزيد من الوقت الثمين ودون تقديم أعذار واهية للتأجيل والمماطلة، إلا أن العالم استيقظ فجر يوم العاشر من أغسطس/آب على فاجعة مروعة تمثلت في مجزرة إسرائيلية بشعة استهدفت "مدرسة التابعين" في حي الدرج بمدينة غزة، والتي استشهد فيها قرابة 100 نازح فلسطيني بريء ممن لجؤوا إلى المدارس التابعة لوكالة الأونروا بعد أن دمر الاحتلال منازلهم فوق رؤوسهم. وكان هؤلاء النازحون يؤدون صلاة الفجر بخشوع في مصلى المدرسة عندما استهدفهم القصف الإسرائيلي الغادر.

إننا أمام سياسة إسرائيلية مستمرة ومنهجية تتخذ من جرائم الحرب والتهجير القسري والتجويع والحصار الشامل أسلوبًا لا تحيد عنه، ولا توجد أي موانع حقيقية ورادعة تكبح جماح دولة الاحتلال وتمنعها من تكرار هذه الجرائم مستقبلًا، فلا هم داخليًا يمتلكون الوازع الأخلاقي الكافي لردعهم، ولا هم خارجيًا يواجهون ضغوطًا حقيقية ومؤثرة من حلفائهم الكبار، بل على العكس من ذلك يشعرون بدعم مطلق وتشجيع ضمني على الاستمرار في غيهم، كما حصل على سبيل المثال عندما قامت واشنطن بإحباط مشروع بيان أممي يدين إسرائيل ويحملها المسؤولية الكاملة عن مجزرة شارع الرشيد المروعة التي استهدفت نازحين فلسطينيين أبرياء كانوا ينتظرون وصول شاحنات المساعدات الإنسانية.

وما لم يكن هناك ضغط حقيقي مؤثر وفاعل، فسيكون من العبث والوهم انتظار أي تغيير إيجابي في موقف نتنياهو وحكومته المتطرفة. لقد لاحظنا جميعًا أن هناك خطًا بيانيًا ثابتًا ومتصاعدًا تسير عليه هذه الحكومة اليمينية المتطرفة، وهو خط استمرار الحرب وتجاهل كل الدعوات المطالبة بوقف إطلاق النار والتحايل المستمر على المبادرات الهادفة إلى التهدئة لكسب المزيد من الوقت واستمرار العدوان.

وبينما تعتبر المفاوضات وسيلة مشروعة للتوصل إلى التهدئة المرغوبة ووقف إطلاق النار الشامل، فإن حكومة نتنياهو تستخدمها كأداة للتضليل والخداع ومواصلة الحرب المشتعلة وارتكاب المزيد من المجازر المروعة بحق الشعب الفلسطيني الأعزل.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة